عملية البحث عن شخص أصبح في عداد المفقودين أو انفصل عن أحبائه هي عملية شاملة متعددة الجوانب تنطوي على مشاركة مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة والتخصصات. ويجب أن تشكِّل العائلات محور هذه العملية.
وهي عبارة عن تتبع لرحلة شخص مفقود ومعرفة تسلسل الأحداث التي مرّ بها بهدف تحديد مصيره ومكان وجوده بقدرٍ من اليقين أو الثقة. وبينما يشير مصطلح "مصير" إلى حالة أو وضع الشخص المفقود، أي ما إذا كان حيًا أم ميتًا، فإن مصطلح "مكان وجوده" يرتبط برحلته والظروف التي تسببت في أن يلقى هذا المصير وأن يوجد في هذا المكان. كما تنطوي العملية على وضع فرضية خالية من التحيز أو الظنون بشأن المصير المحتمل للشخص والمكان الذي ربما يُعثر عليه فيه ومعرفة تسلسل الأحداث منذ أن فُقد.
تبدأ أغلب العائلات في البحث عن ذويها بمجرد أن تدرك أنهم مفقودون. كما يمكن أن تشارك في عملية البحث جهات فاعلة أخرى متنوعة، مثل السلطات والجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ومنظمات المجتمع المدني، إما كلٍ على حدة أو بالتعاون معًا.
ربما ينتهي البحث بسرعة أو يدوم لسنوات؛ إذ تظل أغلب العائلات تبحث عن أحبائها إلى أن تستنفد جميع السبل وتصل إلى معلومات ذات مصداقية بشأن مصير الشخص المفقود ومكان وجوده. ويهدف البحث في المقام الأول إلى تحديد موقع الشخص الجاري البحث عنه ومعرفة مصيره ومكان وجوده. غير أن بعض الجهات الفاعلة في عملية البحث، ومنها العائلات، تكون لديها الرغبة في تحديد الجناة، إذا ما كان الاختفاء يتعلق بارتكاب جريمة أو انتهاك حقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني. واختلاف السياقات يتطلب إيجاد حلول مختلفة، إذ لا يوجد نهج واحد يناسب جميع الحالات. مع ذلك، قد يفيد إجراء تحليل وتفصيل للكيفية التي يجري بها البحث عادةً في ظروف وسياقات شتى بُغية تزويد الجهات الفاعلة بأفضل الممارسات والمعارف للاسترشاد بها في عملها. حتى في أحلك الظروف، ترغب العائلات في الاطمئنان إلى أن الكيانات المعنية بالبحث عن ذويها المفقودين تبذل كل الجهود الممكنة للعثور عليهم. والغرض من الموارد المتاحة في هذا الموقع الإلكتروني هو مساعدة المنظمات والسلطات والعائلات وإرشادها بشأن شتى جوانب عملية البحث.
ستيباناكيرت/خانكندي، ناغورنو كاراباخ. فيرا غريغوريان هي رئيسة منظمة "اتحاد أقارب المحاربين المفقودين" التي ساعدت في تأسيسها عام 1998. وهي في هذه الصورة تعرض جدارًا عليه صور جنود فُقدوا في النزاع الذي نشب أوائل التسعينيات.
تركز المراحل الأولية من البحث عمومًا على جمع معلومات أساسية عن الشخص المفقود والأحداث المحيطة باختفائه. ومن الأهمية بمكان ضمان تسجيل المعلومات المجمّعة عن الشخص الذي فُقد أو انفصل عن ذويه، وعن الظروف التي أحاطت بانفصاله عنهم/اختفائه بالتفاصيل الوافية وبالتحديد في وقت الإبلاغ عن اختفائه، إذ يمكن للتفاصيل المهمة أن تُنسى بمرور الوقت.
كما يجب إيلاء أهمية بالغة لسلامة الأشخاص الذين يقدمون المعلومات وهؤلاء الذين تدور المعلومات عنهم. إذ ينبغي ألا تُشارَك المعلومات إلا مع السلطات المعنية، وأن تخضع فور تقديمها للحماية، وألا تُستخدم أو تُنشر أي بيانات قد تتسبب في إلحاق ضرر بالأفراد.
الخطوة الأولى للبحث عن شخص مفقود هو تقديم طلب للبحث عنه، والأداة الأولية المستخدمة لذلك هي استمارات جمع البيانات عن الأشخاص المفقودين. وينبغي أن تتضمن هذه البيانات الأولية المطلوب جمعها جميع المعلومات المتوفرة التي من شأنها المساعدة على البحث عن الشخص المفقود والضرورية للتواصل مع مقدّم الطلب.
تتولى المنظمات والسلطات مهمة جمع البيانات وفقًا للسياق ولاحتياجاتها ومواردها وولايتها، وعمومًا تشمل البيانات عن الأشخاص المفقودين الأنواع التالية من المعلومات:
ويُعد أي فرد كان على اتصال بالشخص المفقود مصدرًا محتملًا لمعلومات بالغة الأهمية. لهذا السبب، يجب أن تمتثل عمليتا البحث وتحديد الهوية لمبادئ ومعايير مهمة متعددة التخصصات أكثرها مستقى من علوم الطب الشرعي (مثل، الطب وعلم الأمراض والأنثروبولوجيا وعلم الآثار وتحليل بصمات الأصابع وطب الأسنان وعلم الوراثة) وأن تعتمد على خبراء من تخصصات متنوعة ذات صلة (مثل، الباحثون والمحققون وخبراء فحص مسرح الجريمة).
وعـادة مـا يكـون أفـراد العائلة قـد أجـروا بأنفسـهم قـدرًا كبيـرًا مـن البحـث لكشـف النقاب عـن أكبر قـدر ممكـن مـن المعلومـات بشـأن الشـخص المفقـود، ولا سـيما إذا مـرت سـنوات عديـدة منـذ اختفائـه. ويصادف أفراد العائلة في بعض الأحيان أثناء البحث معلومات تتعلق بأشخاص مفقودين آخرين (لا تربطهم بهم صلة قرابة)، أو مواقع دفن وغير ذلك، ومن المهم أيضًا أن تُسجَّل هذه المعلومات.
بمجرد الانتهاء من جمع البيانات، تحاول السلطات المسؤولة أو المنظمات الداعمة للعائلات في عملية البحث مطابقة البيانات المجمَّعة في إطار طلب البحث بما يلي:
إن جمع بيانات شاملة في وقتٍ مبكر يماثل في أهميته الحفاظ على البيانات طالما اقتضت الضرورة وحمايتها. إذ قد تظهر الحاجة إلى الاطلاع على حالة ما أو استئناف العمل بها بعد سنوات أو حتى عقود من انتهاء نزاع مسلح أو حالة عنف أخرى. تتألف المحفوظات من سجلات ومواد وثائقية أخرى تُحدد ويُحتفظ بها على مر الزمن بهدف إثبات الإجراءات المُتخذة في السابق. وينبغي أن تشتمل المحفوظات على معلومات صحيحة وموثوقة وكاملة، لأنها تمثِّل مصدرًا مرجعيًا للمعرفة والتعلُّم. وينبغي تنظيمها وفق أطر تنظيمية محددة مستقاة من القوانين الدولية والوطنية.
"البحث عن المفقودين" يعني التتبع المنهجي لجميع الأدلة في المناطق التي ربما يُعثر فيها على الشخص الجاري البحث عنه أو حيث توجد معلومات موثوقة بشأن مكان وجوده، وإجراء مقابلات مع الشهود المحتملين وتتبع أي أدلة جديدة تظهر في أثناء هذه العملية. وهي تبدأ في الساعات الأولى التي ينفصل فيها الشخص عن ذويه أو يصبح في عداد المفقودين.
وقد تشمل أنشطة مثل:
يمكن أن تنفذ أنشطة البحث عن المفقودين مختلف الجهات الفاعلة التي من بينها السلطات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية والعائلات وجمعيات المجتمع المدني الأخرى، استنادًا إلى الظروف والسياق الذي أصبح فيه شخص في عداد المفقودين. كما تعتمد فعالية عملية البحث على مدى تبادل المعلومات بين هذه الجهات الفاعلة المختلفة ومدى تنسيقها لسُبل جمع المعلومات حتى يتسنى مشاركتها بسهولة. وتعتمد، بالإضافة إلى ذلك، على مدى اطلاع العائلات والمجتمعات المحلية واستشارتها بشأن جوانب عملية البحث، مثل القيود وفرص النجاح واحتمال العثور على الأشخاص المفقودين أحياء أو تحديد مكان رفاتهم عبر استخراجها وتحديد الهوية بالاستعانة بالطب الشرعي. وينبغي التعامل مع أي مشاركة مباشرة من جانب العائلات في عملية البحث بأسلوب يراعي مشاعر هذه العائلات وتقاليدها الثقافية. كما يجب إرساء آليات فعالة على شتى المستويات من أجل التنسيق وتجنب ازدواجية جهود جمع البيانات والبحث؛ وإلا نُكئت جراح العائلات مرة أخرى نتيجة التواصل معها مرات عديدة لجمع المعلومات ذاتها. ينبغي أن تكون الجهات الفاعلة على علم بعمل كلٍ منها وأن تُنسق، بالقدر الممكن، جهودها وتضمن تنظيم البيانات تنظيمًا ملائمًا.
أياكوتشو، بيرو. رئيس مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أياكوتشو يتحدث إلى المدير السابق لمختبر معهد الطبي الشرعي. Boris Heger, ICRC.
غالبًا ما تمثِّل المعلومات الشخصية التي تقدمها العائلات عن أفرادها المفقودين عاملًا أساسيًا في الكشف عن مصيرهم وأماكن وجودهم. لكن الكثير من المعلومات المطلوبة في أثناء عملية جمع البيانات هي بيانات شخصية حساسة للغاية. وتستلزم المبادئ المتعلقة بحماية البيانات، والأطر القانونية الوطنية والإقليمية في أغلب الأحيان، تزويد الأفراد الذين يقدمون بيانات بمعلومات عن الغرض المقصود من استخدام هذه البيانات قبل جمعها.
ومن المهم التذكير بأن هذه المعلومات القيّمة لها صلة وطيدة بالحفاظ على سلامة العائلات وصون كرامتها. لذا، ينبغي دائمًا النظر إلى إجراءات جمع البيانات وتخزينها وإدارتها بشكل ملائم باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من توفير الحماية للعائلات في إطار عملية البحث.
لقد أسفر التحول الرقمي وغيره من أوجه التقدم في تقنيات البيانات عن إضفاء فعالية كبيرة على عملية البحث عن الأشخاص المفقودين. وتستخدم اللجنة الدولية للصليب الأحمر مجموعة من التقنيات لجمع البيانات ومعالجتها. وفي عام 2015، اعتمدت مدونة قواعد السلوك الخاصة بحماية البيانات في مجال إعادة الروابط العائلية بهدف ضمان حق الأفراد الذين يستخدمون هذه الخدمات في الخصوصية وحماية بياناتهم الشخصية.
موستار، البوسنة والهرسك. موظفة باللجنة الدولية تجمع بيانات ما بعد الوفاة من عائلة تبحث عن أحد أبنائها. ICRC.
تقدم وثيقة مبادئ توجيهية/ قانون نموذجي بشأن المفقودين أحكامًا تشريعية نموذجية يمكن للدول الاستعانة بها لصياغة تشريعات تُعنى بالحيلولة دون أن يصبح الأشخاص في عداد المفقودين وحمايتهم.
وتحدد المبادئ التوجيهية للبحث عن الأشخاص المختفين (اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري) آليات وإجراءات وطرائق أداء الواجب القانوني المتمثل في البحث عن الأشخاص المختفين وتسعى إلى توطيد الممارسات الجيدة المتبعة في البحث الفعال عن الأشخاص المختفين والناشئة عن التزام الدول بالبحث عن هؤلاء الأشخاص.
معبر الشلامجة الحدودي، قرب البصرة، العراق. إعادة 17 رفاتًا بشرية لجنود إيرانيين قُتلوا خلال الحرب الإيرانية العراقية في الفترة من 1980 إلى 1988، تحت رعاية اللجنة الدولية. Marie-Claire Feghali, ICRC.