في الفترة من 21 إلى 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، اجتمع ما يقرب من 700 عائلة من عائلات المفقودين من جميع أنحاء العالم لعرض تجاربهم الشخصية والاستلهام من تجارب الآخرين.
السمة المشتركة بين عائلات المفقودين المشاركة من جميع أنحاء العالم هي التصميم. فما يوحد بين هذه العائلات على اختلاف مواطنها حول العالم هو ذات الألم والالتزام الراسخ بالعثور على ذويها المفقودين بصرف النظر عن عدد السنوات التي مرت، أو الملابسات المختلفة لاختفاء أبنائها، أو الصعوبات الاقتصادية أو العاطفية أو القانونية أو الإدارية المختلفة التي تواجهها.
يقر المؤتمر الدولي لعائلات المفقودين بالقوة التي يبثها هذا التضامن بين العائلات، وأهمية عقد فعاليات لتجتمع فيما بينها. وهذا المؤتمر الذي ينعقد كل عامين، ودارت فعالياته مؤخرًا على مدار ثلاثة أيام في أماكن متعددة، أتاح للعائلات فرصة فريدة للتواصل وتبادل تجاربها. فقد وصفت عائلات سريلانكية، على سبيل المثال، هذا المؤتمر بأنه مصدر "للوحدة والقوة والتمكين والتضامن".
تمكنت العائلات مرتين خلال فترة انعقاد المؤتمر التي استمرت 72 ساعة، من جميع أنحاء العالم من الالتقاء في "ساعة ذهبية" - وهي فقرة في جدول الأعمال تكون الشمس فيها مشرقة أو لم تغرب بعدُ عند معظم العائلات المشاركة - فهذه اللحظة في قلب فعاليات المؤتمر أوجدت في وجدان عائلات من أكثر من 40 دولة مختلفة، من نيبال إلى السلفادور، شعورًا بالاتحاد في إطار شبكة عالمية تقر بنضالاتها وتتيح لها مساحة للتفاهم والدعم.
واستمعت العائلات المجتمعة في بعثة اللجنة الدولية في مدينة "باتيكالوا" السريلانكية إلى عائلات في العاصمة الفنزويلية "كاراكاس" وهي تقول: "الشبكة أصبحت عائلتكم... معًا نحن أقوى". وبالمثل، شاركت عائلات من العاصمة البيروفية "ليما"، ودعت جميع الحاضرين بـ "الإخوة والأخوات". ومن الجهة الأخرى من العالم، اجتمعت لدى الصليب الأحمر الكيني في "نيروبي" عائلات تشبه في قوتها وصمودها في وجه المحن الأسود المهيبة التي تسكن البلاد.
ومن "سان سلفادور"، رددت جوقة في صوت رنان "لست وحدك"، فأشاعت الطمأنينة في نفوس المجتمعين. ومن مدينة "يولا" في نيجيريا، جاوب صدى الصوت "لا نقف وحدنا في قبضة المعاناة والآلام، لن نستمع فحسب إلى العائلات الأخرى، بل سنراها بأعيننا". وحتى إذا دعت الضرورة إلى حجب صورة فيديو العائلات السورية في لبنان لأسباب أمنية، فإن الشحنة الشعورية التي بثتها أصواتها انتقلت إلى أولئك الذين يستمعون إليها في الأردن أو اليمن. وجاشت أصوات آباء يغنون لأبنائهم المفقودين بأمواج من العاطفة، غمرت كل المساحات المادية والافتراضية التي تلتقي فيها العائلات، وزرعت القوة في نفوس المشاركين جميعًا.
لم تكن الساعة الذهبية مع ذلك سوى فقرة في برنامج المؤتمر المزدحم، لكن الهدف منها كان خلق شعور بالتضامن العالمي وتسهيل تبادل التجارب والخبرات بين النظراء. فقد جمع المؤتمر، الذي عقدته الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية، عائلات المفقودين من مختلف البلدان والقارات، إقرارًا بدورها الرئيسي الفاعل في رحلة البحث عن ذويها، بصورة تتجاوز حصرها في دور الضحايا أو المستفيدين من خدمات إعادة الروابط العائلية.
لا نقف وحدنا في قبضة المعاناة والآلام، لن نستمع فحسب إلى العائلات الأخرى، بل سنراها بأعيننا.
تفاعلت العائلات تفاعلاً مباشرًا مع نظرائها في جميع أنحاء العالم، فتبادلت المشورة حول كيفية عقد اللقاءات مع الجهات المسؤولة عن تقديم إجابات شافية عن مصير المفقودين، والتعبير عن نفسها في هذه اللقاءات، وتعلمت من بعضها بعضًا، وحرصت على تبادل الدعم وبث الشعور بالتمكين الذي يقوي عزم العائلات على مواصلة رحلة البحث. ففي إحدى الجلسات، تواصلت عائلات مدينتي "داكار" و"أبيدجان" في غرب إفريقيا مع عائلات في "كاراكاس" و"السلفادور". خلق هذا التعاون مساحة اطلعت فيها عائلات الأفراد الذين فُقدوا على مسار الهجرة الخطير الذي يعبر البحر المتوسط إلى أوروبا، على تجارب عائلات من الأمريكتين الوسطى والجنوبية فقدت ذويها في أثناء رحلة السفر شمالًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقدمت تجارب العائلات في الأمريكتين دروسًا قيمة للعائلات المشاركة من غرب إفريقيا في المؤتمر، رغم أنها لم تنجح إلى حد كبير في تقديم إجابات شافية لتلك العائلات.
اتضح أيضًا أن العائلات تواجه في سياقات متعددة التحديات ذاتها، وتستخدم الأدوات ذاتها للتصدي لها. فكما أتاح الإنترنت الفرصة لعقد هذا المؤتمر، ساعدت أدوات تكنولوجية جديدة مثل وسائل التواصل الاجتماعي العائلات كذلك على التواصل مع بعضها بعضًا، بل عززت هذه الأدوات قدرتها على البحث عن المفقودين. في سياقات عدة، ذهب فيها أفراد في عداد المفقودين منذ عقود، انتقل العمل الناشط في البحث من جيل إلى جيل، فتوجب حشد طاقات الشباب لمواصلة مسيرة النضال التي بدأها الآباء والأجداد.
أعطى هذا المؤتمر منبرًا للعائلات لبناء علاقات جديدة وإنشاء قنوات اتصال في ما بينها لبلوغ الغاية المنشودة. فأتاح لها هذا التفاعل مع العائلات الأخرى التعلم من تجاربها واكتساب رؤى قيمة من شأنها تعزيز جهود البحث إلى حد بعيد. سيضع هذا المؤتمر الذي ينعقد كل عامين، دفة دوراته المستقبلية بين أيدي العائلات لتشكيل هيكله وتنسيق موضوعات جلساته. وسيستمر المؤتمر في أداء رسالته الرامية إلى تمكين عائلات المفقودين، وتمهيد السبيل لتشكيل حركة عالمية تناصر بقوة جهود البحث عن المفقودين، ولا تحيد عن تشجيعها ومؤازرتها للعائلات في رحلة البحث عن ذويها المفقودين.